محمد بنطلحة ..شاعر المغرب-شعيب حليفي-المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

محمد بنطلحة ..شاعر المغرب

  محمد بنطلحة    


•    إلى متى تُخبئُ أبوابك عنا َ؟

يستطيع الشاعر محمد بنطلحة أن يُدهِشَ الشعر نفسه قبل إغوائه قارئه،كونه يمتلك قَدَراً شاعريا واستثنائيا يربطه بدم الكلمات في مسارها المعلوم والمجهول ، وبسلالات الشعراء والأدباء الذين خبروا سحر الأليغوريا وشراسة الواقع .
وقد أصدر ديوانه "قليلا أكثر"(2) ، بعد تجارب ترسخت في المشهد الإبداعي ضمن ديوان جامع بعنوان "ليتني أعمى " والجامع  لأربع مجاميع سابقة ( نشيد البجع ، غيمة أو حجر، سودوم ،بعكس الماء ).
في كل نصوصه  الباذخة بالشعر، يؤكد محمد بنطلحة مسارات خطواته الشعرية المديدة ، طولا وعرضا ، وأنه طالع من فجر الكتابة الطهرانية بلغة لا أقنعة فيها ؛فهو منذ الأزل يُقيد أحلامنا المنهوبة في كنانيش سرية، ويجيد سبك تفاؤلاتنا المتصلة بجلد الأنبياء والشهداء .
لذلك ، فهو في كل ديوان يعلن دعوته الموصولة بكل الملاحم ..منذ نص جلجامش مرورا بامرئ القيس وطرفة ومالك بن الريب والمتنبي وصولا إلى ذاته التي يقف أمامها ، مُجازفا،يُدون أسرار النفس والحياة والموت وذبذبات الأصوات وآثار أقدام الذين يعرفهم ولا يعرفهم واحدا واحدا ..يصنع من كل هذا أثوابا بتلابيب يخبئ فيها ،بعناية بليغة، لُعبا وأسلحة وكنايات ومجازات واستعارات وصور خاصة جدا.
•    بيان حقيقة

يا هذا
يا أنا
هل عرفت الآن
لماذا، أنا والمحيط الهادئ
من قبل أن تقفز شمس
العولمة
مثل
كرة
تنس
فوق شبكة المعنى
ونحن نرسم..
ونسكر
ليس في المتاحف،
ولكن
في الهواء الطلق
هل عرفت؟:
إذن، أكرر
لا أنا الإسكندر
ولا أنا زوربا
أنا لا أحد.
أنا شاعر مجهول.
(محمد بنطلحة .قصيدة بيان حقيقة).


***
•    أنتَ ..شاعر الروح المنسية
محمد بنطلحة شاعر من فاس ، يحمل من آثار الأمكنة ما يجعل الذكرى رقائق متراكبة إلى جانب سنوات من عمره الشعري الذي يختزن وهج معاني الفضاءات من فاس، انزكان ، أكادير ،القنيطرة ،ايكس أون بروفانس،مراكش ، مكناس..وفي كل هذه الأماكن التي مر بها كانت له أسفار في معارج موازية للشعر العربي والعالمي .
في ديوانه الأخير (قليلا أقل) ، وأنا قارئ متتبع لشعره ، أحسستُ بحياة أخرى تتخلق من  العمق الخفي لتجربته الطويلة ، وقد صار محمد بنطلحة يمتلك حرية "مفرطة ومجازفة " في إبداع نصوصه ، ضمن خمسة أبواب (قدر إغريقي- ماذا سأخسر؟- المرحلة الزرقاء- جنيالوجيا- نجوم في النهار) حتى إن القراءة النقدية تبدو صعبة ومبكرة  لشق أبواب المعاني وتحتاج إلى التأمل المديد  والانتظار ،فالشاعر مثل الماء، يحمل أسرار الأرض والسماء  ، يسير ظاهرا وخفيا .أليست صفته من صفات "المجاذيب" الأولياء وهو يقول :
كم ذهبتُ إلى آخر الأرضِ
أنا
الزائلُ
والأزليُّ
كم وفيْتُ للحمائم
 وكم غدرتُ بالصقور.
في أحد الأسفار
سَرَطَ القَدَرُ لُعابهُ.وعرضَ عليَّ
في مقابل الجزء الأول من مذكراتي
ثمنا باهظا :
أن أجعلَ من جسدي
ساحة حرب/وأن يرى
 ويسكتَ
على الورق،
هزمتُ
وانهزمتُ
وفي الحقيقة،لم أكن أنا من ذَهَبَ
إلى آخر الأرض
لم أكن أنا صاحب الجبروت
 وإنما ظلي .
•    محمد بنطلحة
ليست للشاعر سيرة معلومة سوى سير نصوصه وما خبَّأه فيها أو ما أرجأه من نُطفٍ حية في صدره الكبير . 
ثم سيقول:
" اسم مستعار
عند هيرودوت:هو الذي ، حينما عثر على برج بابل في صندوقه البريدي
عثر أيضا
على
رقعة شطرنج
وحكمة قديمة : أعلى مراتب الحقيقة : الكذب .
واليومَ، حيث كل الحقائق مؤجلة :
 النبيذ إلى الغد.
والذكريات إلى حياة غير هذه ،ماذا سأفهم ؟في موقع:خلية نائمة .وفي آخرَ: لا ينام أبدا .
أنا
كيف أكون معاصرا له
وكل ما بيننا، منذ ما قبل التاريخ
ظلال
وأقنعة؟
   ( من قصيدة بعنوان محمد بنطلحة .ص86 – من ديوان قليلا أقل ).



 
  شعيب حليفي-المغرب (2011-12-02)
Partager

تعليقات:
سعيد بكور /المغرب 2011-12-08
كان لي شرف أن درست على يد الأستاذ بنطلحة بالمدرسة العليا للأساتذة بمكناس سنة 2006-2007، وكان المحور الذي ناقشناه طيلة السنة يدور حول:" الأدب والأدبية" وعموما كان درسه شائقا يظهر تعمقه في الأدب والنقد الحديثين
البريد الإلكتروني : said.bakour1982@gmail.com

علي لهبوب /المغرب 2011-12-06
اشاطرك الرأي فيما اشرت اليه (د محمد البازي) بالنسبة للشاعر الكبير محمد بنطلحة وكم جميل ان يعترف التلميذ والطالب بجميل استاذه وصنيعه وهو ما سنفقده في الجيل القادمة كلمات جميلة منك في حق شاعر المغرب
البريد الإلكتروني : derrida@hotmail.fr

محمد بازي /أكادير 2011-12-02
محمد بنطلحة أستاذ كبير إلى جانب كونه شاعرا كبيرا. وانا من الذي استفدت من محاضراته بالمدرسة العليا بمراكش في أواسط التسعينيات، لم أر في مساري التعليمي والجامعي والجامعي العالي أستاذا في حجم الرائع والمبدع بنطلحة، كان مدهشا وجذابا في حضوره وإلقائه وجولانه في عوالم النقد والأدب، كان أسلوبه شائقا رائقا، ولغته منتقاة بعناية، تشعر كان راسخ القدم في النقد والأدب،وكان خطه جميلا على اللوح وعلى المستنسخات، إني أحن لمثل تلك المحاضرات الرائعة. لم يحظ الأستاذ بنطلحة بما يليق يه من تكريم مهني، لقد أفاض كأس الدرس بالنقد الشاعر. ووا أسفاه على الذين يتطفلون على الدرس النقدي والأدبي أمام هذا الأستاذ الرائع والمتمكن! وواأسفاه على الذين يتبجحون بالنموذجية في التدريس وفي الأخلاق العالية أمام هذا الرجل العامل في صمت! وواأسفي أني افتقدت خلال كل هذه السنوات الإنصات إلى درس في حجم دروس بنطلحة! شكرا الأستاذ حليفي أنك حركت في شجون العودة إلى التأمل في تجربة هذا الشاعر العبقري والأستاذ النموذجي بجميع المقاييس والاعتبارات. وإني أرجو من خلالك التواصل معه عسى أن أوفيه من الشكر والتحية ما يسنحق. ولك الشكر الجزيل
البريد الإلكتروني : mohamed.bazzi70@gmail.com

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

محمد بنطلحة ..شاعر المغرب-شعيب حليفي-المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia